في مشروعه الجديد.. محمد صبحي فارسًا بجواد لإنقاذ الفن المصري

في مشروعه الجديد.. محمد صبحي فارسًا بجواد لإنقاذ الفن المصري

هو ذاكرة الطريق، وذاكرة الطريق بوصلته في أوقات الجدب وسنين الترهل، رسالة الريح الثمينة، والريح تتخفف من العطور التي ليس لها عنوان، وجه للفن تتفرسُ فيه قناديل الحضارة، ووحدهم الحالمون كثيرو التعب من تحفظ القناديل عيونهم. 

هو محمد صبحي فارس المسرح، وجوكر الكوميديا وكبيرهم الذي علمهم الفن، وعلمنا الانتماء وحب الوطن، هل يعطي الفن المصري بعد تداعيه قُبْلَةَ الحياة مرة أخرى؟

ففي مرحلة باهتة، بلا لون، بلا طعم وتكاد تكون بلا صوت لفن هادف، أعطت شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، الصرح الأهم في الإنتاج الفني، جوادًا لفارس الفن محمد صبحي، يمتطيه بمهارة حاملًا المصباح من بيت إلى بيت في حركة استيعادية للفن المصري الهادف المتخذ من بناء الفرد لَبِنة لبناء المجتمع.

ولتفرده وتاريخه مُنح صبحي ذاك الحق، فوقع رئيس مجلس إدارة المتحدة للخدمات الإعلامية حسن عبدالله، بروتوكول تعاون مع صبحي، لإنتاج مجموعة من المسرحيات، كما يتضمن المشروع، اكتشاف مواهب جديدة في التمثيل، وتدريبهم للعمل في مسرحيات تنتجها الشركة.

وصبحي ذو المدرسة المسرحية الأنجح يعمل على عدد من المسرحيات الجديدة، أحدها تحمل اسم "عندما يحكم الأطفال العالم"، وتدور أحداثها حول أطفال يتحكمون في العالم، وذلك في إطار من التشويق. 

وأخرى تحمل اسم "عيلة اتعملها بلوك"، تدور أحداثها في الفترة 1927 حتى 2127، تتحدث عن سلوك المواطنين في تلك الفترة المُمتدة على مدار 200 عام، كذلك موسم جديد من برنامج "مفيش مشكلة خالص".

ولعل ما يسعى "الجوكر" إلى تقديمه هو إيجاد البديل يقول: "المسرح في وعكة صحية خلال هذه الفترة ويحتاج إلى انتعاشة خلال الفترة المقبلة لكي يستعيد مكانته" قائلا: "لا نضيع الوقت في مهاجمة المسف ولا بد من إيجاد البديل".

في عمله لا يعتمد الفنان المصري محمد صبحي على الحظ، وإنما الخطة الجيدة وهي كل ما يستلزم لتحقيق مشروعه المسرحي، فقد أدرك باكرًا حجم قوة الفن الناعمة، وقدرته على التأثير في وعي المتلقي، لذا يحاول دائمًا تقديم أعمال تحترم عقل المشاهد، ويبحث عن أفكار تعزز القيم الاجتماعية.

هل يفعلها صبحي؟

الناقد الفني جمال عبدالناصر يحلل تاريخ صبحي ومن خلاله يجيب بـ"نعم"، ولجمال وجهة نظر تتخلص في أن المسرح مدارس، فكما أن للعظيمين عبدالمنعم مدبولي وفؤاد المهندس مدرستين مميزتين، كذلك فإن لصبحي تاريخا كبيرا ومدرسة مهمة في المسرح مستمرة منذ 1971، من خلالها حقق صبحي المعادلة الصعبة في تقديمه أعمالا فنية مهنية ذات رسالة وهدف دونما إسفاف، وفي نفس الوقت لها جمهور عريض من كل الفئات والأعمار واختلاف الأفكار، فقد اهتم صبحي بهموم المواطن فقدم الجاد من القضايا، وانصرف عن إشغال أذهان الناس وأوقاتهم بما لا يفيدهم في حياتهم، ولذا استطاع تكوين جمهور كبير على مستوى الوطن العربي يقدر ويحترم ما يقدمه.

ويُفرِّق الناقد الفني بين الفنان الموهوب دونما اجتهاد وبين الموهوب مع اجتهاد والتزام، فيقول:" صبحي من النوع الثاني الملتزم في جميع نواحي حياته وليس على المستوى المهني فقط، وفي مهنته يهتم بأدق التفاصيل، ويدرب الممثلين على كيفية العمل في جماعة، وهنا فمحمد صبحي لا يبذل مجهودًا على ذاته فقط وإنما لكل فرد ولو كان عاملًا خلف الستار".

حاليًا المسرح للجميع، هذا ما استطاع صبحي عمله، حيث استطاع تحويل المسرح من كونه نخبويا وللكبار فقط، إلى شموله جميع أفراد الأسرة ولجميع الشعوب العربية، ففي "خيبتنا" على سبيل المثال قدَّم صبحي مادة عن ثورات الربيع العربي وتوقعها قبل حدوثها عام 2007، كذلك يتناول القضايا الحساسة بخصوصية بحيث يتمكن من الإصلاح دون إفساد شيء، ففي" النحلة والدبور"، تناول مشاكل المرأة وهنا لم يشوه الرجل أو يظهر المرأة بشكل فج، بل على العكس خدم القضية بذكاء ومهنية.

وناقش جمال الأداء الذكي لصبحي في جعله المشاهد مشتعل الذهن دائم التفكير، حتى في أثناء ضحكه على مشهد، حيث يستدعي صبحي ما لدى المشاهد من أفكار ومواقف يحفظها عقله وتشغل باله، ولا يقف عطاء الفنان محمد صبحي عند هذا الحد، وإنما يمتد ليشمل اكتشافه العديد من المواهب، فقد تخرج من مسرحه فنانون كثيرون ونجوم كبيرة في الساحة الفنية، منهم منى زكي وصلاح عبدالله ومصطفى شعبان وسيمون وأحمد آدم وغيرهم، فـ"سيمون" اختلف أداؤها مع صبحي عن أدائها قبله، وكذلك الجميع.

وأدركت "المتحدة لخدمات الإعلام"، أهمية المسرح ولذا عندما أرادت العمل عليه اختارت فارسه الفنان محمد صبحي، وهي لفتة ذكية فهو قيمة وقامة حيث يتفقان على الأفكار والعمل الهادف غير المبتذل، وهو اختيار في محله.

مدينة "سُنبل" مشروع متكامل على أرض الواقع 

إذا أردت أن تحكم على حاضر أحدهم فانظر إلى تاريخه، هكذا يقولون، وتاريخ صبحي حافل وأحلامه واسعة بسعة الصحراء، وربما هذه السعة ما ألهمته لملء صحراء مصر بالفن المسرحي فأنشأ "مدينة سنبل للفنون والزهور"، وتحمل المدينة التي تحمل اسم المسلسل التلفزيوني الشهير "سنبل بعد الميلون" الذي عُرض عام 1987، كان يدعو الناس فيه للخروج من المدن الكبيرة ومن العاصمة، واقتحام الصحراء، لأن حل مشكلة مصر السكانية والزراعية والاقتصادية هي التوسع نحو الصحراء، وهو أيضًا هدف للأمن القومي المصري، حسب ما جاء عبر الموقع الرسمي للمدينة.

في عام 1994 تمت الموافقة على إنشاء "مدينة سنبل للفنون والزهور"، واشترى "صبحي" 60 فدانًا من جمعية ثم تعاقد مع وزارة الزراعة بالشراء بعقد نهائي مسجل، وأقيم المشروع على 35 فدانًا، فهو مشروع فني زراعي ثقافي، يظهر الترابط بين الفنون والزهور الموجود في الحياة، فكما توجد نبتة خيرة ونبتة شريرة يوجد أيضًا فن صالح وآخر طالح، يضم 4 مشاريع تتداخل وظائفها ببعض تداخلا حيويا، وتحاط المدينة بأسوار ترتفع 5 أمتار. 

 وتقع المدينة على بُعد 18 كيلومترًا من مدينة السادات بالطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية عند الكيلو 50، وتبعد عن مدينة 6 أكتوبر 12 كيلومترًا.

سيرته وإسهاماته الفنية

ما نراه من تاريخ للفنان محمد صبحي بالطبع كان مشوارا صعبا لم يحدث بين ليلة وضحاها، تفتّح وعي محمد صبحي على حب الفن، إذ وُلد في 3 مارس 1948، في شارع محمد علي بوسط العاصمة المصرية القاهرة. 

كان شارع محمد علي وقتها، أشبه بدار أوبرا كبيرة، حيث كان يضم عدداً كبيراً من المسارح والسينمات، ومنحه الجمهور اسم "شارع الفن"، لذا تعلّق محمد صبحي بالتمثيل وتمنى منذ طفولته أن يصبح نجماً لامعاً تُزيّن صورته جدران الشوارع، التحق صبحي عقب نجاحه في الثانوية العامة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان من المتميزين في دفعته، وعندما تخرج عام 1970، عينته إدارة المعهد معيداً، لكنه لم يُفضل العمل مدرساً، وكان لديه طموح يمتد لأطراف الدنيا الواسعة، لم يكن يريد أن يخنق موهبته الرائعة في قاعة محاضرات.

وبدأ صبحي مسيرته الفنية بأدوار صغيرة على خشبة المسرح، ووقف خلالها أمام عمالقة التمثيل في ذلك الوقت مثل حسن يوسف، ومحمود المليجي وفؤاد المهندس، وفي عام 1975، كوّن محمد صبحي وصديقه لينين الرملي فرقة "ستوديو 80"، وتفرغ محمد صبحي لمهمة التمثيل فقط، فيما انشغل لينين الرملي بدور المؤلف والمخرج، وفي نفس العام قدما معاً مسرحية بعنوان "انتهى الدرس يا غبي" كانت بطولة محمد صبحي، وشاركه في هذا العرض نخبة من النجوم منهم محمود المليجي، وتوفيق الدقن وهناء الشوربجي.

وحقق هذا العرض نجاحاً كبيراً ما دفع هذا الثنائي لتكرار التجربة في أعمال كثيرة كان لها نفس الصدى والتأثير، ومنها: "الهمجي، تخاريف، وجهة نظر، الجوكر"، وبعد سنوات طويلة وقع الانفصال الفني وبحث كل منهما عن طريق بعيدا عن الآخر.

قدّم محمد صبحي للمسرح 28 عرضاً، منها "هاللو شلبي، وهاملت وغزل البنات، وخيبتنا، وهاللو أمريكا"، كما تألق على شاشة التلفزيون بـ13 مسلسلاً، أبرزها "رحلة المليون، وسنبل بعد المليون، وفارس بلا جواد وعائلة ونيس".

وفي السينما شارك في بطولة 26 فيلماً، أبرزها: "الكرنك، وهنا القاهرة، وأونكل زيزو، وعلي بيه مظهر، والعميل رقم 13، والشيطانة التي أحبتني".

حصد محمد صبحي العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الفنية، ففي عام 1999 حصد جائزة الأسد الذهبي لأحسن ممثل ومخرج، وفي عام 2013، نال الدكتوراه الفخرية من الكلية الأمريكية في كاليفورنيا، وفي 4 مارس من نفس العام نال جائزة مؤسسة النجوم السعودية، وفي يناير 2022 كرمته الكلية الحربية في مصر تقديراً لإنجازاته الفنية وفنه الهادف.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية